حق الجار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. أما بعد:
فقد جاء في كتاب رسائل فقهية – للشيخ حماد بن محمد الأنصاري – رحمه الله – ص: ( 222 – 224 ):
" اختلف العلماء في حد الجيرة، قال الأوزاعي: أربعون داراً من كل ناحية.
وقال بعضهم: من سمع الأذان.
وقال البعض: من ساكن رجلاً في محلة أو مدينة فهو جاره.
فعلى كلٍ فالمجاورة لها مراتب بعضها ألصق من بعض.
واختلف أهل التفسير في قوله تعالى:{ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى } الآية [ النساء : 36 ]
فقال ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد وعكرمة رحمها الله تعالى وغيرهم: الجار ذي القربى: الجار القريب النسيب، والجار الجنب الذي لا قرابة بينك وبينه.
وقال بعضهم: الجار ذو القربى هو الجار المسلم، والجار الجنب هو اليهودي والنصراني.
وقيل: الجار ذو القربى هو الجار القريب المسكن منك، والجار الجنب البعيد منك بيته.
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره "، ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه : " مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم "
[ أجرحه البخاري ( رقم: 2463 ) ، ومسلم ( رقم: 1609 ) ]
وعنه أيضاَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".
[ أخرجه البخاري ( رقم: 6015 )، ومسلم ( رقم: 2625 ) ]
وأعلم أن الجيران ثلاثة:
ـــ فمنهم من له ثلاثة حقوق كجارك القريب المسلم، له حق الجوار الآتي بيانه، وحق القرابة السالف، وحق الإسلام.
ـــ ومنهم له حقان كجارك المسلم.
ـــ ومنهم من لو حق واحد كجارك الذمي الذي له حق الجوار فقط.
فينبغي لكل عاقل أن يعرف حق جاره، وإن كان ذمياً؛ لِيَفِيَه به من غير تطفيف، ويحسن إليه بلا تنكيف.
وحسن الجوار هو: الصبر على أذى جاره.
قال الله تعالى: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ } [ النساء: 36 ]، وهو الذي ليس بينك وبينه قرابة، { وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ }، الرفيق في السفر، { وَابْنِ السَّبِيل } الغريب، { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } من المماليك.
وحق الجار:
إن استعان بك أعنته، وإن استقرضك أقرضته، وإن غاب حفظته، وإن افتقر جدت عليه، وإن مرض عدته،
وإن مات اتبعت جنازته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته نكبة عزيته.
ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه.
وإن اشتريت فاكهة فاهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سرا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده،
ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها.
وفي صحيح مسلم: " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " [ أخرجه مسلم ( رقم: 46 ) ]، بوائقه: أي شره وغائلته.
وفيه أيضاً: " إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك " [ أخرجه مسلم ( رقم 2625 ) ] ". اهـــ