ثناء القرآن على شباب الصحابة
حيث كان أولئك الشبان في عصر التنزيل، وكان القرآن ينزل في كل مناسبة وحدث فقد كان لهؤلاء نصيب من ثناء القرآن، وثناء القرآن على هؤلاء منه ما كان عاماً لهم ولغيرهم، ومنه ما كان خاصاً ببعض آحادهم.
فمن النوع الأول هناك آيات كثيرة أثنت على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو على طائفة منهم، وهم داخلون في ذلك، ومنها:- أ - قوله تعالى ((لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى)) (الحديد: 10) وفيهم كثير ممن أنفق من قبل الفتح وقاتل. ب - قوله تعالى ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً)) (الفتح: 18) وفي شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بايع تحت الشجرة. ج - قوله تعالى ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم)) (التوبة: 100) وقوله ((والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً)) (الأنفال:74) والآيات في هذا النوع كثيرة في كتاب الله. والنوع الثاني ما نزل في بعضهم خاصة إما ثناءً، أو تصديقاً. ومن ذلك:- 1 - قوله تعالى ((ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً)) (العنكبوت:
نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه -رضي الله عنه- أنه نزلت فيه آيات من القرآن، قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا، قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد فأنزل الله عز وجل من القرآن هذه الآية ((ووصينا الإنسان)) الحديث - وأما بقية الآيات فقد كانت حين جاوز سعد -رضي الله عنه- المرحلة التي نتحدث عنها-. إنها صورة من الثبات والصبر حيث تمارس أمه هذا الأسلوب من الضغط والذي تعلم أنه سيؤثر عليه ويصرفه، لكنه -رضي الله عنه- يرفض الاستجابة لهذه الضغوط، وهو يواجهها من داخل بيته ومن أقرب الناس لديه، ويصر على تمسكه بدينه وإيمانه بالله سبحانه وتعالى، ومتى كان ذلك؟ كان وسعد -رضي الله عنه- دون العشرين من عمره، والأمر لا يزال في بداية الإسلام. 2 - قوله تعالى ((إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله)) الآيات (المنافقون:1) نزلت تصديقاً لزيد بن أرقم -رضي الله عنه-. فعنه -رضي الله عنه- قال: كنت في غزاة فسمعت عبدالله بن أبي يقول:لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولو رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي أو لعمر فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبدالله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك، فأنزل تعالى ((إذا جاءك المنافقون)) فبعث إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ، فقال: «إن الله قد صدقك يا زيد». وقد عد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقولة منه صلى الله عليه وسلم شهادة ثناء وتزكية له وأعظم بها من ثناء، فقد قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- عنه حين حفظ ما لم يحفظه أنس هو الذي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هذا الذي أوفى الله له بأذنه». 3 - قوله تعالى ((ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)) (الأنعام:52) نزلت هذه الآية في طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم سعد بن أبي وقاص وابن مسعود -رضي الله عنهما- وكانا من الشباب. يحدث بذلك سعد -رضي الله عنه- إذ يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال، ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل ((ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)). وكم في هذه الآية الكريمة من منقبة لهؤلاء؟ شهادة من الله سبحانه وتعالى لهم بأنهم يدعون ربهم بالغداة والعشي، وشهادة لهم بأنهم مخلصون يريدون وجهه، وأمر له صلى الله عليه وسلم بلزومهم ومجالستهم. - قوله تعالى ((فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله)) (آل عمران: 174) فعن هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- ((الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم)) (آل عمران:172)قالت لعروة: يا ابن أخي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد، وانصرف المشركون خاف أن يرجعوا، قال: «ومن يذهب في إثرهم؟» فانتدب منهم سبعون رجلاً قال: كان فيهم أبو بكر والزبير. 5 - قوله تعالى ((إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً)) (النساء: 998-99) ممن نزلت فيه ابن عباس … فعن ابن أبي مليكة أن ابن عباس -رضي الله عنهما- تلا (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) قال:«كنت أنا وأمي ممن عذر الله»(رواه البخاري). 6 -)هذان خصمان اختصموا في ربهم ( (الحج: 19) عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال:«أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة»، قال قيس: وفيهم نزلت ) هذان خصمان اختصموا في ربهم )، قال:«هم الذين بارزوا يوم بدر: علي، وحمزة، وعبيدة، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة»(رواه البخاري).